الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

اصحاب الأخدوود


إنها قصة فتاً آمن، فصبر وثبت، فآمنت معه قريته.لقد كان غلاما نبيها، ولم يكن قد آمن بعد. وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية. وكان للملك ساحر يستعين به. وعندما تقدّم العمر بالساحر، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته. فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر.

فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه، وفي طريقه كان يمرّ على راهب. فجلس معه مرة وأعجبه كلامه. فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر. وكان الساحر يضربه إن لم يحضر. فشكى ذلك للراهب. فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.

وكان في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس. فقال الغلام في نفسه، اليوم أعلم أيهم أفضل، الساحر أم الراهب. ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. ثم رمى الحيوان فقلته، ومضى الناس في طريقهم. فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث. فقال له الراهب: يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.

وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض. فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره. فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني. فأجاب الغلام: أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.

فذهب جليس الملجس، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب الجليس بثقة المؤمن: ربّي. فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك الله. فثار الملك، وأمر بتعذيبه. فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام.

أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال الغلام: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فأمر الملك بتعذيبه. فعذّبوه حتى دلّ على الراهب.

فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الراهب ذلك. وجيئ بمشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ فوقع نصفين. ثم أحضر جليس الملك، وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب. ثم جيئ بالغلام وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الغلام. فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.

فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعى الفتى ربه: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتزّ الجبل وسقط الجنود. ورجع الغلام يمشي إلى الملك. فقال الملك: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم الله تعالى. فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة، والذهاب به لوسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه.

فذهبوا به، فدعى الغلام الله: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام. ثم رجع إلى الملك. فسأله الملك باستغراب: أين من كان معك؟ فأجاب الغلام المتوكل على الله: كفانيهم الله تعالى. ثم قال للملك: إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به. فقال الملك: ما هو؟ فقال الفتى المؤمن: أن تجمع الناس في مكان واحد، وتصلبي على جذع، ثم تأخذ سهما من كنانتي، وتضع السهم في القوس، وتقول "بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني، فإن فعلت ذلك قتلتني.

استبشر الملك بهذا الأمر. فأمر على الفور بجمع الناس، وصلب الفتى أمامهم. ثم أخذ سهما من كنانته، ووضع السهم في القوس، وقال: باسم الله ربّ الغلام، ثم رماه فأصابه فقتله.

فصرخ الناس: آمنا بربّ الغلام. فهرع أصحاب الملك إليه وقالوا: أرأيت ما كنت تخشاه! لقد وقع، لقد آمن الناس.فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيها. ثم أمر جنوده، بتخيير الناس، فإما الرجوع عن الإيمان، أو إلقائهم في النار. ففعل الجنود ذلك، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها، فخافت أن تُرمى في النار. فألهم الله الصبي أن يقول لها: يا أمّاه اصبري فإنك على الحق.

الأحد، 23 سبتمبر 2012

قصة طالوت و جالوت

ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى..
قالوا: ألسنا مشردين؟
قال: بلى..
قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو
ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية ملكه؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.

ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش،
ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.

كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو
كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.

وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..

وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى

الخميس، 20 سبتمبر 2012

قصة البقرة التي وردت في سورة البقرة

أصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.

إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة.

لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور،فيسألونه: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة.

إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين.

وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها.

وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم.

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

قصة قارون

 
إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة " فقال  قارون كما حكى الله : " إنما اوتيته على علم عندي " يعني ماله ، وكان يعمل الكيمياء ، فقال الله : " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون " أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء " فخرج على قومه في زينته " قال : في الثياب المصبغات يجرها بالارض " فقال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون إنه لذو حظ عظيم " فقال لهم الخاص من أصحاب موسى عليه السلام : " ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله " قال : هي لغة سريانية " يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " .
وكان سبب هلاك قارون أنه لما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية أنزل الله عليهم المن والسلوى وانفجر لهم من الحجر اثنا عشرة عينا بطروا وقالوا : " لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال لهم موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " فقالوا كما حكى الله : " إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها " ثم قالوا لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ففرض الله عليهم دخولها وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض ، فكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء ، وكان قارون منهم ، وكان يقرء التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه ، وكان يسمى الم ؟
ون لحسن قراءته ، وقد كان يعمل الكيمياء ، فلما طال الامر علي بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع أن يدخل معهم في التوبة وكان موسى يحبه فدخل إليه موسى فقال له : يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد ههنا ادخل معهم وإلا نزل بك العذاب ، فاستهان به واستهزأ بقوله ، فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ، ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر ، بيده العصا ، فأمر قارون أن يصب عليه رماد قد خلط بالماء ، فصب عليه ، فغضب موسى غضبا شديدا ، وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت
من ثيابه وقطر منها الدم ، فقال موسى : يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي ! فأوحى الله إليه قد أمرت السماوات والارض أن تطعك فمرهما بما شئت ، وقد كان قارون أمر أن يغلق باب القصر ، فأقبل موسى فأومأ إلى الابواب فانفرجت ودخل عليه ، فلما نظر إليه قارون علم أنه قد اوتي بالعذاب ، فقال : يا موسى أسألك بالرحم التي بيني وبينك ، فقال له موسى : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ، يا أرض خذيه ، فدخل القصر بما فيه في الارض ، ودخل قارون في الارض إلى الركبة فبكى وحلفه بالرحم ، فقال له موسى : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ،يا أرض خذيه ، فابتلعته بقصره وخزائنه ، وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله ، فعيره الله بما قاله لقارون ، فعلم موسى أن الله قد عيره بذلك ، فقال : يا رب إن قارون دعاني بغيرك ، ولو دعاني بك لاجبته ، فقال الله : يا ابن لاوي لا تردني من كلامك ، فقال موسى : يا رب لو علمت أن ذلك لك رضى لاجبته ، فقال الله تعالى : يا موسى وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وعلو مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لاجبته ، ولكنه لما دعاك وكلته إليك ، يا ابن عمران لا تجزع من الموت فإني كتبت الموت على كل نفس ، وقد مهدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرت عيناك ، فخرج موسى إلى جبل طور سيناء مع وصيه ، فصعد موسى الجبل فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل ومسحاة ، فقال له موسى : ما تريد ؟
قال : إن رجلا من أولياء الله قد توفي فأنا أحفر له قبرا ، فقال له موسى : أفلا اعينك عليه ؟
قال : بلى ، قال : فحفرا القبر فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر ، فقال له موسى : ما تريد ؟
قال : أدخل القبر فأنظر كيف مضجعه ؟
فقال موسى : أنا أكفيك ، فدخله موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل .
(1)

هاروت و ماروت

وأما هاروت وماروت، فقد اختلفت أقوال المفسرين فيهما، فذكروا في ذلك قصصاً كثيرة معظمها إسرائيليات لا تصح، وأصح ما ذكر من الآثار في ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أى رب: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون" قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملون. قالوا: ربنا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله شيئاً أبداً، فذهبت عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: لا والله لا نقتله أبداً، فذهبت، ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، ولما أفاقا. قالت المرأة: والله ما تركتما شيئاً أبيتماه إلا قد فعلتماه حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا".
فالراجح من أقوال أهل التفسير أنها ملكان من الملائكة، ويجاب عما وقع منهما مع عصمة الملائكة من الوقوع في الذنوب بأجوبة، أفضل ما وقعنا عليه منها ما قال ابن كثير وإليك نصه: ( وذهب كثير من السلف إلى أنهما
كانا ملكين من السماء، وكان من أمرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده... وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق.
مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى). انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: (ويجاب أن عصمة الملائكة ما داموا بوصف الملائكة، أما إذا انتقلوا إلى وصف الإنسان فلا) انتهى.
وأما تعليمهما السحر، فإنه كان لغرض صحيح، وهو بيان حقيقة السحر للناس، وأنه من فعل الشياطين، وأنه كفر وحرام، وقال بعض أهل العلم: إنما نزلا لبيان اجتناب السحر لا لبيان فعله.

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

قصة اصحاب الكهف



في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.

في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.

لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.

عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.

إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.

استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.

ثم بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.

فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.

خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صعبا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.

لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.

وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.

لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.

بعض من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام


من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، شفاء المرضى ببركته ودعائه، وقد تكرر هذا الحدث أكثر من مرة، ومع أكثر من صحابي، مما كان له الأثر الكبير في تثبيت نفوس الصحابة رضي الله عنهم، وزيادة إيمانهم، ولجوئهم إلى الله سبحانه وتعالى في أحوالهم كافة.
فمن ذلك مثلاً ما حصل مع الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر، فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون * يخوضون في الحديث* ليلتهم أيهم يُعطاها؟ قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: هو يارسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية ) متفق عليه.
فقد شفى الله علياً رضي الله عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ، واستلم الراية، وانطلق بها سليماً معافى.
ومن ذلك ما حصل مع تلك المرأة التي كانت تصرع، ففي الحديث أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: ( إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها، متفق عليه.
والدعاء له أثره العظيم والفعّال، فكيف إذا كان من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن أثره سيكون أقوى، ومما يُنقل عن الإمام ابن القيم رحمه الله في أثر الدعاء قوله: "وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مراراً نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب".
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم شفاء المصاب ببركة نفثه عليه، مثلما حصل مع الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فعن يزيد بن أبي عبيد قال: ( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم في شفاء المرضى والمصابين، مسحه على جسد المصاب فيشفى بإذن الله عز وجل، كما حصل مع الصحابي عبد الله بن عتيك حينما انكسرت ساقه في طريق عودته من قتل أبي رافع اليهودي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (ابسط رجلك، قال: فبسطتُ رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط ) رواه البخاري .
تلك المواقف وغيرها تدل على ما أكرم الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم من الكرامات العظيمة، والمنح الربانية الكثيرة، تأييداً لدعوته، وبرهاناً على صدقها، والحمد لله رب العالمين.


وقد أيّد الله رسله بما يناسب كل رسول من الآيات الباهرات التي هي خوارق للعادات، فكانت معجزة موسى عليه السلام العصى، ومعجزة صالح عليه السلام الناقة، ومعجزة عيسى عليه السلام إحياء الموتى بإذن الله وغيرها، وهكذا كانت معجزة كل نبي مما يتوافق مع حال قومه ، ولما كان العرب أهل فصاحةٍ وبلاغةٍ وشعرٍ وبيان، كانت معجزة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قرآناً يتحدى به القوم فيما علموا وأتقنوا.
فالقرآن الكريم معجزة رسول الله * صلى الله عليه وسلم * العظمى، دالة على صدقه، قد عجز البشر عن الإتيان بمثله، وهي معجزةٌ باقية مستمرة محفوظة، ببقاء رسالة الإسلام نفسها، لكونها خاتمة الرسالات، وآخر النبوات، وهي سبيل عز المسلمين ونصرهم.
ومع أنّ حروف القرآن التي منها رُكِّبت كلماته وآياته هي نفس الحروف التي ركب منها كلام العرب، إلا إنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله، وتحداهم الله بذلك، قال تعالى: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } (الطور:34)، بل إنّ الله تحدّاهم أن يأتوا بعشرِ سورٍٍ مثله، قال تعالى :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (هود:13)، واستمر التحدي في الإتيان بأقل من ذلك، بسورة من مثله، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:23). إنه القرآن العظيم المعجز في تركيبه وتنسيقه إلى جانب إعجازة في موضوعه وبيانه، مما حيَّر الفصحاء والبلغاء والشعراء، فجعلهم يذعنون له، ويستسلمون أمامه، ويعلنون عجزهم وقصورهم، يسمعه بعض القوم، فلا يملك إلا إعلان الحقيقة، فيقول مقالته المشهورة : " إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر".
ويسمعه الوليد بن المغيرة المخزومي فيقول مقسماً بالله : "فو الله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله". ويسمعه عتبة بن ربيعة فيذهل، ويسمعه الجن فيؤمنون به ويصدقونه ، قال تعالى { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً